الاثنين، 22 يونيو 2015

ال ... بين

الاغتراب مش الدموع اللي بتنزل لما تسمع اغنية بلغتك غير قابلة للترجمة وانت بتحبها، او تشوف صورة لكل شلتك القديمة و انت مش وسطيهم
الاغتراب مكان زي الليمبو بتاع دانتي كده ، لا انت ف الدنيا و لا ف النعيم و لا ف الجحيم ، وبالتالي انت ف حالة انتظار دائم ، و اثناء الانتظار ده لا ينفع تتواصل بلغتك بتاعة ما قبل الليمبو لأن ماحدش هيفهمها هنا حتى زمايلك ف الليمبو ،  و لا انت قادر تمتلك ناصية اي من لغات الحياة الأخرى جحيما كانت او نعيم ،لأنك ببساطة لسه مش من اهل هذه الحياة
.انت ف الليمبو
.وهنا انت بتتخلى عن مفردات لغتك بتاعة الحياة الأولى . مش بمزاجك
هي بتختفي من كيانك بفعل المسافة اللي بتتخلق بينك و بين العالم ده، و بيفضل كيانك يلق ف الفضا إلى ان تنزل بك سلاما مفردات من العالم المقبل
ف الليمبو مافيش يقين
اليقين الوحيد هو انك مش من اهل الحياة الأولى خلاص
المسألة مش مسألة طيارة تاخدك لهناك ، او طلتك عليهم من شباك العالم الافتراضي 
مش هينقلك هناك تاني اي وسيلة مواصلات ،لأنك - لو تفتكر كويس- ما مشيتش من هناك بالطيارة ، فأي محاولة منك للوصل وزيارة اي حد هناك بتكون نتيجته مرعبة لإنك بتخوفهم
، وبيوجعك صورتك كعفريت ف عنيهم، لأنك بتوصل هناك شفاف و بنص ظل
 هم خلاص طلعوا عليك المطار ، و دربوا نفسهم ما يتخضوش من شبحك الاليكتروني البعيد اللي بيشف كل يوم عن اللي قبله، فإقفل الباب ده وبطل مشاورة 
اما العالم المقبل فمش بالضرورة يستقبلك ، ده حتى ممكن يتعسف معاك زيادة لو قفش ف ثنايا روحك اي ريحة من الحياة الاولى
مدرس الفرنساوي كان دايما يقول لي احب اعلم ناس من بلاد عمرها ما اتكلمت فرنساوي عن اني اعلم ناس جاية من بلاد فرانكفون و متصورين ان اللي بيتكلموه ده فرنساوي. 
الحقيقة انك بتقضي فترة الليمبو دي مش ف التعرف على العالم الجديد ، انما ف التخلص من العالم القديم ،وبالتالي اغترابك زي ما هو ما بدأش فجأة ما بينتهيش فجأة
وروحك ممكن تسافر من المكان قبل جسمك او بعده و مش بالضرورة الاتنين يتقابلوا بعدين ، اوقات جسمك يوصل لمكان و روحك لسه بتتصرمح ف الخلا
روحك بتستحلى الصرمحه 
و اغترابك 
و بتتفاجئ بنفسها أخف بمجرد ما تقلع على التوالي الهويات القاتلة اللي انت كنت ملبسها لها، الوطن و اللغة و الدين و العيلة... الخ ، و بتكتشف انها كانت شايلة تراب كتير على كتفها بدون مناسبة و بتستغباك آخر حاجه عشان انت مرمطتها معاك سنين حاطط على كتافها شكاير تراب الهويات الكذابة دي و دفعتها بحماقاتك للدخول ف حروب مروعة دفاعا عن كوكتيل الهويات اللي انت اصلا متدبس فيها و ما اخترتهاش
فدلوقتي و بعد ما أخيرا حضرتك نجحت ف التخلص من العالم القديم ، و واخد نفسك فمين جوه و بره ، و بدل ما تدخل العالم الجديد بزفة ،هتضرب مشوار ف الخلا تلاحق روحك الطفشانة و تحاول تلاقيها و تقنعها انك خلاص تبت و ومش هتشيلها تراب تاني 
بس هه!
على مين؟! 
ما هي عارفاك و حافظاك ، وانت مش هتهمد الا لما تلاقي نفسك متمرمط و ممرمطها معاك ف حرب لا ناقة لك فيها و لا جمل  
فهتسيبك لوحدك ف الليمبو متعذب عشان هتموت على يقين ، وقضبان قطر تمشي عليها ، وهي هتفضل تتصرمح و تضرب
كف بكف من ادمانك للحيطان و الألوان الفاقعة